الخطبة الأولىالحمدُ
لله الَّذِي لشرعه يَخْضَعُ مَنْ يعْبُد، ولِعَظَمتِه يخشعُ مَنْ يَرْكع
ويسجُد، ولِطِيْب مناجاتِه يسهرُ المتَهْجِّدُ ولدعائه لا يخيب رجاء
المتعبد، ولِطَلبِ ثوابِه يَبْذِلُ المُجَاهدُ نَفْسَه وماله ويَجْهد،
أحمده حَمْدَ مَنْ يَرْجُو الوقوفَ على بابِه غيرَ مُشَرَّد، وأشهد أنْ لا
إِله إِلاَّ الله وحْدَه لا شريكَ له شهادةَ مَنْ أخلصَ لله وتَعَبَّد،
طرقتُ باب الرجاء والناس قد رقدوا *** وبت أشكو إلى مولاي ما أجدُ
وقلت يا أملي في كل نائبةٍ *** ويا من عليه لكشف الضر اعتمدُ
أشكو إليك أموراً أنت تعلمها *** مالي على حملها صبر ولا جلدُ
وقد مددت يدي بالذل مبتهلاً *** إليك يا خير من مدت إليه يدُ
فلا تردنها يا ربِ خائبةً *** فبحر جُودك يروي كل من يردُ
وأشهد
أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه... قام بواجب الدعوة والبلاغ ومن العبادِة
تَزَوَّدْ، صلَّى الله عليه وعلى سائرِ آلِهِ وأصحابِه ما صاح طائرٌ بنغمة
وغرد صلاة مُسْتَمرَّة على الزمانِ الْمُؤبَّد، وسلَّم تسليماً.
أما بعد:
عباد
الله: الدعاء والتضرع بين يدي الله عبادة عظيمة ودليل على قوة الإيمان وهو
طريق موصل إلى الله وبريد مستعجل تقضى به الحاجات وتفرج به الكربات وتتحقق
الأمنيات وبه تدفع الشرور والمصائب والآفات.. وبالدعاء تتنزل الرحمات من
رب الأرض والسموات وتغفر الزلات والهفوات وترفع درجة العبد في الجنات..
والدعاء عبادة كل الأوقات فما من أحدٍ في هذه الحياة إلا وهو يعاني من
مشكلة أو حاجة أو هم ٌ يورق حياته ويقلق راحته أو مرض يرجو الشفاء منه أو
دين يتمنى قضائه أو فقرٌ يأمل بعده بالغنى أو قضية تعاني منها أمته ومجتمعه
فإلى من يلجأ و ممن يطلب العون وعلى من يعتمد؟ فكان من رحمة الله بعبادة
أن دلهم عليه وأمرهم باللجوء إليه يقول - سبحانه وتعالى - بعد أن ذكر آيات
الصيام وأحكام رمضان: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي
عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ
فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة: 186)].
وما
ذلك إلا لبيان أهمية الدعاء والتضرع بين يديه - سبحانه وتعالى - وفي رمضان
يكون الدعاء أعظم ثمرة وأعظم أجراً ولماذا لا يكون كذلك وقد قال - صلى
الله عليه وسلم - فيما صح عنه: ((للصائم عند فطره دعوة لا ترد))[صحيح ابن
ماجه].
وعن
أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ثلاثة لا ترد
دعوتهم: الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم؛ يرفعها الله فوق
الغمام، ويفتح لها أبواب السماء، ويقول الرب: وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين))
[حسن مسند الإمَامُ أَحْمَدُ بتحقيق الأرناؤوط(12/ 480-481)].
وَإِذَا
لم يَكُنْ رَمَضَانُ هُوَ شَهرَ الدُّعَاءِ وَفُرصَةَ الابتِهَالِ
وَالنِّدَاءِ فَفِي أَيِّ شَهرٍ يَكُونُ ذَلِكَ؟! وَإِذَا لم يَستَغِلَّ
العَبدُ مَوسِمَ الرَّحمَةِ لِيَرفَعَ إِلى مَولاهُ حَاجَاتِهِ
وَرَغَبَاتِهِ فَمَتى يَكُونُ ذَلِكَ؟! وَإِذَا كَانَ اللهُ حَيِيًّا
كَرِيمًا يَستَحِي إِذَا رَفَعَ العبد إِلَيهِ يَدَيهِ أَن يَرُدَّهُمَا
صِفرًا فَكَيفَ بِمَن أظمأ نهاره صائماً لله وأسهر ليله طَاعَةً لِرَبِّهِ
ولسانه رطب بذكر الله وتلاوة القرآن وَقَدَمَاهُ مَصفُوفَتَانِ قَائِمًا
وَرَاكِعًا وَسَاجِدًا؟! كَيفَ بِهِ إِذَا رَفَعَ كَفَّيهِ وَنَاجَى
رَبَّهُ عَلَى تِلكَ الحَالِ؟! وفي الحديث القدسي: ((يا عبادي كلكم ضال إلا
من هديته، فاستهدوني أهدكم، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني
أطعمكم، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعا،
فاستغفروني أغفر لكم))[رواه مسلم].
بل إن الله - سبحانه وتعالى - جعل من يأبى ذلك من أهل الكبر والاستكبار في الأرض وجعل مصيرهم النار وبئس القرار قال - تعالى -: (وَقَالَ
رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ
عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) [غافر: 60)].
عباد الله: لقد أثنى الله - سبحانه وتعالى - على أنبيائه بعبادة الدعاء فقال - تعالى -: (إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِى ٱلْخَيْرٰتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُواْ لَنَا خٰشِعِينَ) [الأنبياء: 90].
وبالدعاء وصف الله عباده المؤمنين وجعلها أعظم صفة فيهم فقال - سبحانه -:
(إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِئَايَٰتِنَا ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكّرُواْ بِهَا
خَرُّواْ سُجَّداً وَسَبَّحُواْ بِحَمْدِ رَبّهِمْ وَهُمْ لاَ
يَسْتَكْبِرُونَ تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ
رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَٰهُمْ يُنفِقُونَ)
[السجدة: 16-17]... إنه الدعاء سلاح المؤمن.. به يكون صلاح أمره في دينه
ودنياه وآخرته فقد كان من دعائه - صلى الله عليه وسلم -: ((اللهم أصلح لي
ديني الذي هو عصمةُ أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي
التي فيها معادي، واجعل الحياة زيادةً لي في كلِّ خيرٍ، واجعل الموت راحةً
لي من كل شرٍّ))[مسلم].
وبالدعاء تذهب الأمراض وتشفى الأجساد فهذا نبي الله أيوب - عليه السلام - فبعد البلاء والصبر دعاء ربه فقال - تعالى -: (وَأَيُّوبَ
إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ
الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ
وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا
وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) [الأنبياء 38-84)]. وبالدعاء تقضى
الحاجات وتتحقق الرغبات فالله - سبحانه - يحرك الأسباب لتجري بأمره استجابة
لعبد من عباده لجأ إليه وطلب منه وتوكل عليه.. فلا ينبغي التقليل من شأن
الدعاء، فبدعوةٍ واحدة صادقة مخلصة تتفتح لها أبواب السماء تتقلب الأحوال
وتتبدل الأمور، الضعيف يقوى والقوي يضعف، والمهزوم ينتصر والمتتصر يهزم،
والشقي يسعد والسعيد يشقى والمريض يشفى والحاجات تقضى والفرج يأذن به
الله.. ذكر الحافظ بن عساكر ونقلها ابن كثير في ترجمة رجل قال: "كنت أكاري
على بغل لي من دمشق إلى بلد الزبداني فركب معي ذات مرة رجل فمررنا على بعض
الطريق على طريق غير مسلوكة فقال: خذ في هذه فإنها أقرب، فقلت: لا خبرة لي
فيها، فقال بل هي أقرب، فسلكناها فانتهينا إلى مكان وعر وواد عميق وفيه
قتلى كثير فقال لي أمسك رأس البغل حتى أنزل، فنزل وتشمر وجمع عليه ثيابه
وسل سكيناً معه وقصدني، ففررت من بين يديه وتبعني، فناشدته الله وقلت: خذ
البغل بما عليه، فقال لي هو إنما أريد قتلك، فخوفته الله والعقوبة فلم
يقبل، فاستسلمت بين يديه وقلت: إن رأيت أن تتركني حتى أصلي ركعتين، فقال:
عجل، فقمت أصلي فارتج علي القرآن فلم يحضرني منه حرف واحد، فبقيت واقفاً
متحيراً وهو يقول: هيه افرغ، فأجرى الله على لساني قوله - تعالى -:
(أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ) فإذا
أنا بفارس قد أقبل من فم الوادي وبيده حربة فرمى بها الرجل فما أخطأت فؤاده
فخرَّ صريعاً، فتعلقت بالفارس وقلت: بالله من أنت؟ فقال: أنا رسول الذي
يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء، قال: فأخذت البغل والحمل ورجعت
سالماً"[تفسير بن كثير 3 / 493)].
والدعاء سبب هام في تحقيق النصر والتمكين والثبات للأمم والأفراد والشعوب قال - تعالى - عن طالوت وجنوده لما برزوا لجالوت وجنوده: (قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبّتْ أَقْدَامَنَا وَٱنصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَٰفِرِينَ) [البقرة: 250]. فماذا كانت النتيجة: (فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ) [البقرة: 251].
وكان
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دائم الدعاء كثير الابتهال والتضرع
لمولاه - سبحانه وتعالى - حتى كتب له النصر والتمكين وبلغ هذا الدين الآفاق
وأظهره الله على جميع الأديان.. وقد روى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -
قال: لمَّا كان يوم بدر نظر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أصحابه
وهم ثلاثمائة ونيف، ونظر إلى المشركين، فإذا هم ألف وزيادة، فاستقبل النبي
- صلى الله عليه وسلم - القبلة، وعليه رداؤه وإزاره، ثمَّ قال: "اللهم
أنجز لي ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام فلا تعبد في
الأرض أبداً" قال عمر بن الخطاب: فما زال يستغيث ربَّه ويدعوه، حتَّى سقط
رداؤه عن منكبيه، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فردَّاه، ثمَّ التزمه من ورائه
ثمَّ قال: يا نبي الله، كفاك مناشدتك ربك، فإنَّه منجز لك ما وعدك" [رواه
مسلم (1763)].. فأنزل الله - سبحانه وتعالى - قوله: (إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين) [الأنفال: 9)].
وسار
في هذا الطريق أصحابه من بعده ونشروا هذا الدين في أرجاء المعمورة بسلاحين
عظيمين.. سلاح العمل وبذل الجهد والإرادة القوية وسلاح التضرع بين يدي
الله واستجلاب النصر والمعونة منه فكان لهم ذلك.. خرج البراء بن مالك مع
أبي موسى الأشعري في معركة تستر فلما حضرت المعركة وبدأت ساعة الصفر،
قالوا: يا براء! نسألك بالله أن تقسم على الله أن ينصرنا. قال: انتظروني
قليلاً. فاغتسل ولبس أكفانه وأتى بالسيف، وقال: اللهم إني أقسم عليك أن
تجعلني أول قتيل وأن تنصرنا. فكان أول قتيل وانتصر المسلمون بإذن الله وصدق
- صلى الله عليه وسلم - إذ يقول: ((إنما ينصر الله هذه الأمَّة بضعيفها
بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم))[صححه الألباني في صحيح النسائي(2978)].
وذكر
ابن الجوزي في [صفة الصفوة 2/136)] قال: كان مع قتيبة بن مسلم في معركته
الإمام محمد بن واسع، وقد كان قتيبة بن مسلم صاحب خراسان وكانت الترك قد
خرجت إليهم فبعث قتيبة إلى المسجد لينظر من فيه، فقيل له: ليس فيه إلا محمد
بن واسع رافعاً إصبعه، فقال قتيبة: إصبعه تلك أحبُّ إلي من ثلاثين ألف شاب
طرير".
وفي
[سير أعلام النبلاء 6/121)] قال قتيبة بن مسلم: تلك الإصبع أحب إلي من مئة
ألف سيف شهير وشاب طرير" فتأمل دعاء الإمام محمد بن واسع وقت المعركة، وحب
القائد قتيبة بن مسلم لدعائه ذاك، بل تفضيله لدعائه على وجود ألف شاب
مقاتل!.
عباد
الله: كم نحن محتاجين إلى دعوات بين يدي رب الأرض والسماوات نستجلب بها
التوبة والغفران ونتحلل بها من المعاصي والآثام ونغير بها واقع حياتنا
وأمتنا... ولن يكون ذلك إلا بالتوبة النصوح والدعاء الصادق، قال سفيان
الثوري: "بلغني أن بني إسرائيل قحطوا سبع سنين حتى أكلوا الميتة من المزابل
وكانوا كذلك يخرجون إلى الجبال يبكون ويتضرعون فأوحى الله إلى أنبيائهم -
عليهم السلام -: لو مشيتم إليَّ بأقدامكم حتى تَحْفَى ركبكم وتبلغ أيديكم
عنان السماء وتكل ألسنتكم من الدعاء فإني لا أجيب لكم داعيًا، ولا أرحم لك
باكيًا حتى تردوا المظالم إلى أهلها، ففعلوا فمطروا من يومهم".
إن
رمضان شهر التغيير والبناء والتجديد تغيير في السلوك والمعاملات
والاهتمامات والتوجهات.. تغيير يقود إلى أن نجعل لحياتنا هدف عظيم نسعى
لتحقيقه ومجتمع يقوم على التراحم والصدق والعدل نسعى لبنائه.
إننا
بحاجة إلى قرع أبواب السماء بدعاء تفيق بعده الأمة من غفلتها وتصحو من
سباتها ويعود إليها رشدها وتتوحد في جميع أمورها ويتآلف على الخير أبنائها.
فلتكن دعوتك التي لا ترد أيها الصائم لأمتك ومجتمعك وحياتك ولإحداث التغيير في سلوكك وتوجهاتك وجميع شؤون حياتك.
قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم..
الخطبة الثانية:عباد
الله: خرج سليمان - عليه السلام - والحديث صحيح- يستسقي بالناس، فمر في
الطريق بنملة وإذا هي قد انقلبت على ظهرها ورفعت يديها إلى الحي القيوم فمن
أخبر النملة أن الله خلقها؟ من أخبر النملة أن الذي يحيي ويميت ويضر وينفع
ويشافي ويعافي هو الله؟ أتدرون ماذا تقول النملة؟ تقول: يا حي يا قيوم!
أغثنا برحمتك، فبكى سليمان وقال لقومه: عودوا فقد سقيتم بدعاء غيركم.
النملة تعلم أن لا إله إلا الله وتشتكي ضرها إليه، وهكذا العجماوات والسمكة
في البحر والدودة في الطين إن الدعاء عبادة جميع المخلوقات من حولك فلا
تكن أشقاها.. واعلم أن الله قريب منك ويسمع صوتك وهو مطلع عليك في كل حال..
قيل لعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: كم بين التراب والعرش؟ وظن السائل
أنهً سوف يعد له بالكيلومترات أو بالأميال، قال علي - رضي الله عنه -:
"بينهما دعوة مستجابة" وهذه الدعوة المستجابة تحتاج إلى توبة نصوح وصدق
ويقين من صاحبها.. قال الأوزاعي - رحمه الله - : خرج الناس يستسقون فقام
فيهم بلال بن سعد، فحمد الله - تعالى - وأثنى عليه ثم قال: "يا معشر من
حضر: ألستم مقرين بالإساءة؟، قالوا: بلى، فقال: اللهم إنا سمعناك تقول: (ما على المحسنين من سبيل) [التوبة:
91]. وقد أقررنا بالإساءة فهل تكون مغفرتك إلا لمثلنا، اللهم اغفر لنا،
وارحمنا واسقنا.. فرفع يديه ورفعوا أيديهم فسُقوا بإذن الله...
عباد
الله: وهناك موانع للدعاء ينبغي أن ينظر إليها كل مسلم وأن يقف عندها في
هذا الشهر المبارك فإن وجدت في نفسه فليسارع لإزالتها وعلاجها والتخلص
منها... جاء في الحديث الصحيح قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((ثم ذكر الرجل
يطيل السفر، أشعث أغبر يمد يده إلى السماء.. يا رب! يا رب! ومطعمه حرام،
ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له؟!))[رواه مسلم].
فلنتحرى الحلال في طعامنا وشرابنا وملبسنا بل وفي حياتنا كلها ومن الموانع
الاستعجال في الإجابة قال - صلى الله عليه وآله وسلم -: ((ما من رجل يدعو
بدعاء إلا استجيب له؛ فإما أن يعجل له في الدنيا، وإما أن يدخر له في
الآخرة، وإما أن يكفر عنه من ذنوبه بقدر ما دعا، ما لم يدع بإثم أو قطيعة
رحم أو يستعجل))، قالوا: يا رسول الله، وكيف يستعجل؟ قال: ((يقول: دعوت
الله فما استجاب لي))[رواه مسلم (2735)].
ويجب
أن يكون هناك يقين في نفس المؤمن بأن الله سيستجيب لدعائه روى أبو هريرة
أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ادعوا الله وأنتم موقنون
بالإجابة واعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً من قلب غافل لاه))[أخرجه
الترمذي(3479) وحسَّنه الألباني في صحيح الترمذي(2766)].
ومن
موانع قبول الدعاء ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كلٌ حسب قدرته
واستطاعته فعن حذيفة بن اليمان - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله
عليه وسلم - قال: ((والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو
ليوشكن الله أن يبعث عليكم عذاباً منه ثم تدعونه فلا يستجيب لكم))[رواه
الترمذي].
فلنكثر
من الدعاء والتضرع بين يدي رب الأرض والسماء ولنستغل أوقات الإجابة للدعاء
ولنكثر منه بين الأذان والإقامة وعند الإفطار وعند السجود وفي الثلث
الأخير من الليل وها هي العشر الأواخر من رمضان ينبغي أن لا يغفل عنها
الناس فهي أعظم أيام وليالي رمضان فضلاً، وأرفعُها قدرًا، وأكثرُها أجرًا،
تصفو فيها الأوقات للذة المناجاة، وتسكب فيها العبرات بكاءً على السيئات،
فكم فيها لله من عتيق من النار، وكم فيها من أسير للذنوب وصله الله بعد
الجفاء، وكتب له السعادة بعد طول شقاء، إنها الفرصة التي إذا ضاعت فلن تنفع
بعدها الحسرات.. روى الإمام مسلم عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كان
النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل العشر شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ
أهله".
ولنكثر
فيها من قراءة القرآن والذكر والدعاء والصدقة والاعتكاف في المساجد وصلاة
التراويح و صلاة القيام.. ولنتحرى فيها ليلة القدر والتي هي خيرٌ من ألف
شهر وبها تغفر الذنوب وترفع الدرجات قال - صلى الله عليه وسلم -: ((من قام
ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدّم من ذنبه) [متفق عليه)].
فلا
ينبغي لمسلم أن يفوت هذه الفرصة الثمينة على نفسه وأهله. فلعل أحدنا تدركه
فيها نفحةً من نفحات الرحمن، في هذه الليالي والأيام تكون بها سعادة
الدنيا والآخرة... فا دعوا الله وثقوا وأبشروا وأعلموا: ((أن الله حيي كريم إذا رفع العبد إليه يديه يستحي أن يردهما صفراً حتى يضع فيهما خيراً)) [أحمد (5/438)].
فاللهم
يا موضع كل شكوى! ويا سامع كل نجوى! ويا شاهد كل بلوى! يا عالم كل خفية!
ويا كاشف كل بلية! يا من يملك حوائج السائلين، ويعلم ضمائر الصامتين! ندعوك
دعاء من اشتدت فاقته، وضعفت قوته، وقلّت حيلته، دعاء الغرباء المضطرين،
الذين لا يجدون لكشف ما هم فيه إلا أنت، يا أرحم الراحمين! فاغفر اللهم
ذنوبنا واستر عيوبنا واقض حاجاتنا واشف مرضانا ويمن كتابنا وتقبل جميع
أعمالنا وانشر رحمتك وأمنك على البلاد والعباد.. اللهم وانصر المسلمين
واحقن دمائهم في كل أرض ومكان.. وأحفظهم في بورما واجعل لهم من كل هم فرجا
ومن كل ضيق مخرجا ومن كل عسر يسرا ومن كل بلاء عافية واحفظ عليهم دينهم
وهيئ لهم الأسباب وانصرهم على عدوك وعدوهم فهم يتعرضون هذه الأيام إلى
تطهير عرقي وعنصري وحرب إبادة جماعية على أيدي الجماعات البوذية المتطرفة
ولن يضيع الله دينه ولن يتخلى عن أولياءه فادعوا الله لهم في صلاتكم وعند
إفطاركم...هذا وصلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وأصحابه
الطيبين الطاهرين والحمد لله رب العالمين..